2010-07-09, 05:36 PM
الرضاعة الطبيعية.. أثمن هدية للوليد
الرضاعة الطبيعية.. أثمن هدية للوليد
لبن الأم غذاء ودواء وحماية متبادلة بين المرأة وطفلها
القاهرة: د. أحمد الغمراوي
تثمن كل الهيئات العلمية والمنظمات الصحية العالمية دور الرضاعة الطبيعية في حماية الأم ووليدها من العديد من الأمراض والمخاطر الصحية الآنية والمستقبلية في حياتهما معا.
ويعتبر لبن الأم وجبة أساسية شبه متكاملة للرضيع، إذ يحتوي على كل ما يحتاجه الوليد من عناصر غذائية ما لم تكن الأم تعاني نقصا حادا في تلك العناصر أو كان المولود مصابا ببعض الأمراض النادرة التي تمنعه من الاستفادة من تلك العناصر بصورة مباشرة.
وتنصح كل الدراسات الحديثة ببدء عملية الإرضاع في أقرب فرصة ممكنة فور الإفاقة من الولادة، سواء كانت طبيعية أو عن طريق الشق القيصري، ما لم يكن هناك مانع طبي جسيم مثل حالات الأطفال المبتسرين (الخدج) غير القادرين على الرضاعة بصورة طبيعية، أو وجود عيوب خلقية بالمولود تمنعه من الرضاعة، أو إصابة الأم بمرض يحتمل انتقاله عبر لبنها إلى الطفل، أو تناولها لبعض العقاقير ذات المحاذير الخاصة على صحة الرضيع.
* نصائح للمرضعات
* ومن أجل حسم الجدل الدائر في الأوساط الطبية حول العقاقير التي تمنع معها المرأة على الإطلاق من الإرضاع أو تلك التي تشهد بعض المحاذير، خرجت إلى النور دراسة إسبانية موسعة تقنن تلك الأوضاع، حيث نشرت «دورية الكيمياء التحليلية الحيوية» Analytical and Bioanalytical Chemistry في عدد شهر يونيو (حزيران) الجاري بحثا قامت به هيئات صحية ومستشفيات إسبانية عديدة مفاده أن السيدات المدخنات ينبغي أن يقلعن عن التدخين تماما أثناء الرضاعة، فإن لم يكن، فعليهن الإقلال من عدد السجائر المستهلكة والتوقف عن التدخين لأطول فترة ممكنة قبل الإرضاع، لأن مادة النيكوتين تصل إلى الرضيع عبر لبن الأم وترفع من احتمالية الإصابة بالمغص والأمراض التنفسية.
أما عن تناول القهوة والمشروبات الأخرى الغنية بالكافيين، فنصحت الدراسة بعدم تجاوز مقدار ثلاثة فناجين يوميا، حيث يتسبب الكافيين في إصابة الرضيع بالاضطراب والتهيج العصبي والأرق.
وحذرت الدراسة من مخاطر تناول الكحوليات أثناء الرضاعة حيث يتسبب في اضطرابات النوم ويقلل من الشهية ويخفض من مستوى الغلوكوز بدم الرضيع.
أما عن العقاقير المخدرة، فإن مدخنات القنب (الحشيش) يجب أن يقلعن عنه، أو يتوقفن عن تدخينه قبل الإرضاع بفترة كافية، نظرا لما يسببه للرضيع من نعاس ووهن وضعف بالتغذية. وبالنسبة للكوكايين والهيروين، فلا جدل في الإقلاع عنهما تماما أو التوقف عن الإرضاع كونهما سامين للرضيع.
كما تشهد الأوساط العلمية أيضا جدلا لم يحسم بعد حول بعض الحالات المرضية، ومنها إصابة الأم بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) أو حالات الدرن (السل) النشطة، وما إذا كانت الرضاعة في تلك الحالات مناسبة للأم ووليدها من عدمه. وإن ذكرت دراستان منفصلتان أجرتهما جامعتا هارفارد ونورث كارولينا في منتصف يونيو الجاري أن إعطاء المريضة بالإيدز العقاقير المضادة للفيروسات منع انتقال الفيروس عبر اللبن إلى الأطفال الرضع بنسبة 99% من الحالات في دول أفريقية، هي بتسوانا ومالاوي على التوالي في الدراستين.
* خواص لبن الأم
* ورغم التقدم العلمي الهائل، فإن العديد من خواص لبن الأم لم يتم اكتشافها بعد، وما زال الباحثون يجرون الدراسات لفهم المزيد من تلك الخواص وأسرار تميز لبن الأم الطبيعي عن التركيبات الاصطناعية المشابهة كيميائيا، والتي لا تؤدي نفس الغرض عند استخدامها.
ويمد لبن الأم المولود بالبروتينات، وأغلبها من نوعية «الكازين» التي تمتاز بكونها بسيطة وسهلة الهضم. كما يحتوي على مقادير مثالية من الدهون والنشويات والأملاح المعدنية والفيتامينات وبعض الهرمونات والإنزيمات، بما يناسب قدرات الجهاز الهضمي «المبتدئ» للطفل حديث الولادة ولا يخل بالتوازن الغذائي الذي يحتاجه في نفس الوقت.
إضافة إلى ذلك، يحتوي لبن الأم على قدر كبير من الأجسام المناعية المضادة التي تحمي المولود من العديد من الأمراض، وهو ما تفتقده التركيبات الاصطناعية تماما.
كما يمتاز اللبن بخاصية «التغير» المستمر في تركيبته تبعا لعوامل عدة مثل التوقيت، فاللبن الذي يفرز عقب الولادة مباشرة ولعدة أيام بعدها (اللِبَأ، السرسوب، Colostrum) أغنى بالبروتينات والأجسام المناعية المضادة مما يفرز بعد ذلك، وهو احتياج فيسيولوجي للوليد الذي يفتقر إلى المناعة القوية في أيام مواجهته الأولى مع الحياة وملايين الميكروبات التي يتعرض له جسده الهش على حين غرة. كما قد تختلف المكونات بين يوم وآخر تبعا لما تتناوله الأم من غذاء والبيئة المحيطة بها، وهو أمر مهم أيضا، إذ يقوم جسم الأم آليا بإفراز العناصر التي يراها أكثر أهمية للرضيع في موائمة رائعة لطبيعة الظروف العامة المحيطة.
* مزايا كبرى
* كما أن اللبن في بداية كل وجبة من عملية الإرضاع يكون أكثر خفة ويحتوي على قدر أكبر من المياه وكميات أقل من البروتينات والدهون، ثم ما يلبث أن يكون أكثر كثافة في نهاية الوجبة، وهو ما يمثل وسيلة طبيعية لتهيئة الجهاز الهضمي للرضيع خطوة بخطوة حتى لا تتأثر عملية الهضم لديه بالسلب.
خاصية أخرى تميز لبن الأم عن التركيبات الاصطناعية هي أنه يصل من المصدر (ثدي الأم) إلى المتلقي (فم الرضيع) مباشرة دون وسائط، إلا في حالة تخزينه عند وجود دواع لذلك، وهو ما يجعله أقل عرضة للتلوث الخارجي عن البدائل الأخرى.
وإضافة إلى حماية الطفل من الأمراض المعدية، يتكفل لبن الأم بحماية الطفل من متلازمة الموت المفاجئ للأطفال الرضع بنسبة نحو 50% عن الأطفال الذين يعتمدون على البدائل الاصطناعية، حسب دراسة أجرتها جامعة مونستر الألمانية عام 2009. وتعد متلازمة الموت المفاجئ للأطفال الرضع السبب الأول للوفاة في الدول المتقدمة، إذ إنه مسؤول عن وفاة نحو واحد من بين كل ألف مولود في المتوسط.
كما أكدت الدراسات المتعاقبة في الألفية الجديدة على وجود دور مهم للغاية للبن الأم في تنمية القدرات العقلية ومعدلات الذكاء لدى الأطفال، وأيضا في حياتهم المستقبلية.
* وقاية للطفل والأم
* وتؤكد منظمة الصحة العالمية على فوائد الرضاعة الطبيعية بالنسبة للأم وطفلها، فتشير في تقاريرها السنوية إلى الدراسات العالمية التي أفادت أن لبن الأم يقي الطفل على المدى البعيد من العديد من الأمراض في حياته المستقبلية، إذ تقل معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكولسترول، والسمنة المفرطة، وداء السكري فيمن تغذوا باستخدام الرضاعة الطبيعية لفترة ستة أشهر على الأقل عقب الولادة عن أقرانهم ممن اعتمدوا على البدائل الأخرى.
أما فيما يخص الأم، فإن الرضاعة الطبيعية تسهم في استعادة الجسم لوظائفه وصفاته الحيوية السابقة على حدوث الحمل من انقباض للرحم، وفقدان للوزن الزائد بفعل الحمل، وتسكين طبيعي للآلام الناجمة عن الولادة، إضافة إلى أنه يعتبر أحد موانع الحمل الطبيعية، شريطة أن تكون عملية الإرضاع منتظمة، وإن كان لا يجب الاعتماد عليها كلية لهذا الغرض.
كما تقي الرضاعة الطبيعية الأم من العديد من الأمراض، إذ تقلل من مخاطر الإصابة بأورام الثدي والمبايض وبطانة الرحم، كما أشارت دراسة نشرتها الدورية الأميركية لأمراض النساء والتوليد العام الماضي إلى أن الرضاعة تقي الأم من الإصابة بأمراض القلب والشرايين بنسبة أربعة أضعاف غير المرضعات، في حال استمرارها لمدة عامين.
أبحاث مشابهة، كبحث جامعة مالمو السويدية عام 2008، أفادت بأن الرضاعة الطبيعية تقلل من مخاطر الإصابة بالتهاب المفاصل Rheumatoid arthritis مستقبلا، أيضا بحث جامعة ميتشغين نهاية عام 2007 الذي يشير إلى احتياج الأم المرضعة المصابة بداء السكري لجرعات علاجية أقل من الإنسولين أثناء فترة الإرضاع.
وقد تواجه الأم في بعض الحالات صعوبة في عملية الإرضاع مثل تشقق الحلمات، مما يحتاج لعلاجات موضعية في صورة كريمات مرطبة أو مضادات حيوية عند الحاجة.
أيضا تعاني بعض السيدات من «انخساف» الحلمات داخل كتلة الثدي وعدم بروزها بالقدر الكافي ليتمكن الرضيع من التقامها، وهي حالة يجب أن يتنبه لها طبيب أمراض النساء مبكرا في أثناء الحمل، لينصحها بالقيام بتمرينات بسيطة لإطالة الحلمة قبل الولادة، أو بعدها إذا لم يلحظ أحد ذلك في وقت مناسب. كما يمثل ضعف إدرار اللبن إحدى المشكلات التي قد تواجه المرأة، ويجب طمأنتها بأن كمية اللبن التي تدر عقب الولادة تكون قليلة جدا، وتزداد مع الوقت، كما أن تناول كميات كبيرة من السوائل يساعد على إدرار اللبن، وكذلك هناك العديد من البدائل الطبيعية التي تساعد على ذلك ومنها الحلبة والجرجير، إلى جانب إمكانية الاستعانة ببعض العقاقير عند الحاجة.
وبدورها تشير الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال إلى أن الدراسات الحديثة بكل ما تملكه من تقنيات وآليات عمل ومختبرات على أعلى مستوى، تؤكد يوما بعد الآخر على أن الإرضاع عن طريق لبن الأم هو الوسيلة المثلى والأفضل على الإطلاق لتغذية الطفل على كل المستويات، وأن المكاسب المترتبة على الرضاعة الطبيعية تتعدى المكاسب الغذائية والصحية والمناعية لتشمل مكتسبات أخرى في إطار النمو السليم، والحياة المستقبلية الصحيحة، والمعايير النفسية المتوازنة، وتوفير الكثير من الأموال المهدرة في التغذية (الاختيارية) البديلة، في الوقت الذي مُنِحْنا فيه أعظم وأثمن هدية يمكن أن نقدمها لأولادنا.
الرضاعة الطبيعية.. أثمن هدية للوليد
لبن الأم غذاء ودواء وحماية متبادلة بين المرأة وطفلها
القاهرة: د. أحمد الغمراوي
تثمن كل الهيئات العلمية والمنظمات الصحية العالمية دور الرضاعة الطبيعية في حماية الأم ووليدها من العديد من الأمراض والمخاطر الصحية الآنية والمستقبلية في حياتهما معا.
ويعتبر لبن الأم وجبة أساسية شبه متكاملة للرضيع، إذ يحتوي على كل ما يحتاجه الوليد من عناصر غذائية ما لم تكن الأم تعاني نقصا حادا في تلك العناصر أو كان المولود مصابا ببعض الأمراض النادرة التي تمنعه من الاستفادة من تلك العناصر بصورة مباشرة.
إقتباس :وتوصي منظمة الصحة العالمية في تقاريرها الدورية بضرورة إرضاع الطفل حديث الولادة، بلبن الأم وحده لمدة ستة أشهر، يتبعه إدخال عناصر غذائية أخرى مع لبن الأم حتى بلوغ الطفل عامين من العمر، إلا في حالات خاصة تستوجب عدم الإرضاع.
وتنصح كل الدراسات الحديثة ببدء عملية الإرضاع في أقرب فرصة ممكنة فور الإفاقة من الولادة، سواء كانت طبيعية أو عن طريق الشق القيصري، ما لم يكن هناك مانع طبي جسيم مثل حالات الأطفال المبتسرين (الخدج) غير القادرين على الرضاعة بصورة طبيعية، أو وجود عيوب خلقية بالمولود تمنعه من الرضاعة، أو إصابة الأم بمرض يحتمل انتقاله عبر لبنها إلى الطفل، أو تناولها لبعض العقاقير ذات المحاذير الخاصة على صحة الرضيع.
* نصائح للمرضعات
* ومن أجل حسم الجدل الدائر في الأوساط الطبية حول العقاقير التي تمنع معها المرأة على الإطلاق من الإرضاع أو تلك التي تشهد بعض المحاذير، خرجت إلى النور دراسة إسبانية موسعة تقنن تلك الأوضاع، حيث نشرت «دورية الكيمياء التحليلية الحيوية» Analytical and Bioanalytical Chemistry في عدد شهر يونيو (حزيران) الجاري بحثا قامت به هيئات صحية ومستشفيات إسبانية عديدة مفاده أن السيدات المدخنات ينبغي أن يقلعن عن التدخين تماما أثناء الرضاعة، فإن لم يكن، فعليهن الإقلال من عدد السجائر المستهلكة والتوقف عن التدخين لأطول فترة ممكنة قبل الإرضاع، لأن مادة النيكوتين تصل إلى الرضيع عبر لبن الأم وترفع من احتمالية الإصابة بالمغص والأمراض التنفسية.
أما عن تناول القهوة والمشروبات الأخرى الغنية بالكافيين، فنصحت الدراسة بعدم تجاوز مقدار ثلاثة فناجين يوميا، حيث يتسبب الكافيين في إصابة الرضيع بالاضطراب والتهيج العصبي والأرق.
وحذرت الدراسة من مخاطر تناول الكحوليات أثناء الرضاعة حيث يتسبب في اضطرابات النوم ويقلل من الشهية ويخفض من مستوى الغلوكوز بدم الرضيع.
أما عن العقاقير المخدرة، فإن مدخنات القنب (الحشيش) يجب أن يقلعن عنه، أو يتوقفن عن تدخينه قبل الإرضاع بفترة كافية، نظرا لما يسببه للرضيع من نعاس ووهن وضعف بالتغذية. وبالنسبة للكوكايين والهيروين، فلا جدل في الإقلاع عنهما تماما أو التوقف عن الإرضاع كونهما سامين للرضيع.
كما تشهد الأوساط العلمية أيضا جدلا لم يحسم بعد حول بعض الحالات المرضية، ومنها إصابة الأم بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) أو حالات الدرن (السل) النشطة، وما إذا كانت الرضاعة في تلك الحالات مناسبة للأم ووليدها من عدمه. وإن ذكرت دراستان منفصلتان أجرتهما جامعتا هارفارد ونورث كارولينا في منتصف يونيو الجاري أن إعطاء المريضة بالإيدز العقاقير المضادة للفيروسات منع انتقال الفيروس عبر اللبن إلى الأطفال الرضع بنسبة 99% من الحالات في دول أفريقية، هي بتسوانا ومالاوي على التوالي في الدراستين.
* خواص لبن الأم
* ورغم التقدم العلمي الهائل، فإن العديد من خواص لبن الأم لم يتم اكتشافها بعد، وما زال الباحثون يجرون الدراسات لفهم المزيد من تلك الخواص وأسرار تميز لبن الأم الطبيعي عن التركيبات الاصطناعية المشابهة كيميائيا، والتي لا تؤدي نفس الغرض عند استخدامها.
ويمد لبن الأم المولود بالبروتينات، وأغلبها من نوعية «الكازين» التي تمتاز بكونها بسيطة وسهلة الهضم. كما يحتوي على مقادير مثالية من الدهون والنشويات والأملاح المعدنية والفيتامينات وبعض الهرمونات والإنزيمات، بما يناسب قدرات الجهاز الهضمي «المبتدئ» للطفل حديث الولادة ولا يخل بالتوازن الغذائي الذي يحتاجه في نفس الوقت.
إضافة إلى ذلك، يحتوي لبن الأم على قدر كبير من الأجسام المناعية المضادة التي تحمي المولود من العديد من الأمراض، وهو ما تفتقده التركيبات الاصطناعية تماما.
إقتباس :والمذهل في هذا الأمر، هو أن هذه الأجسام المناعية تكون «مُفَّصَلة» تماما لما يحتاجه الوليد، إذ إن معظمها يكون مضادا للميكروبات النشطة المحيطة بالأم وجنينها في وقت الإرضاع،وهو ما يفي بالمناعة ضد الأمراض، حتى تلك التي تتحور وتغير من شكلها، ولا تتمكن اللقاحات «السابقة التجهيز» من ملاحقتها.
كما يمتاز اللبن بخاصية «التغير» المستمر في تركيبته تبعا لعوامل عدة مثل التوقيت، فاللبن الذي يفرز عقب الولادة مباشرة ولعدة أيام بعدها (اللِبَأ، السرسوب، Colostrum) أغنى بالبروتينات والأجسام المناعية المضادة مما يفرز بعد ذلك، وهو احتياج فيسيولوجي للوليد الذي يفتقر إلى المناعة القوية في أيام مواجهته الأولى مع الحياة وملايين الميكروبات التي يتعرض له جسده الهش على حين غرة. كما قد تختلف المكونات بين يوم وآخر تبعا لما تتناوله الأم من غذاء والبيئة المحيطة بها، وهو أمر مهم أيضا، إذ يقوم جسم الأم آليا بإفراز العناصر التي يراها أكثر أهمية للرضيع في موائمة رائعة لطبيعة الظروف العامة المحيطة.
* مزايا كبرى
* كما أن اللبن في بداية كل وجبة من عملية الإرضاع يكون أكثر خفة ويحتوي على قدر أكبر من المياه وكميات أقل من البروتينات والدهون، ثم ما يلبث أن يكون أكثر كثافة في نهاية الوجبة، وهو ما يمثل وسيلة طبيعية لتهيئة الجهاز الهضمي للرضيع خطوة بخطوة حتى لا تتأثر عملية الهضم لديه بالسلب.
خاصية أخرى تميز لبن الأم عن التركيبات الاصطناعية هي أنه يصل من المصدر (ثدي الأم) إلى المتلقي (فم الرضيع) مباشرة دون وسائط، إلا في حالة تخزينه عند وجود دواع لذلك، وهو ما يجعله أقل عرضة للتلوث الخارجي عن البدائل الأخرى.
وإضافة إلى حماية الطفل من الأمراض المعدية، يتكفل لبن الأم بحماية الطفل من متلازمة الموت المفاجئ للأطفال الرضع بنسبة نحو 50% عن الأطفال الذين يعتمدون على البدائل الاصطناعية، حسب دراسة أجرتها جامعة مونستر الألمانية عام 2009. وتعد متلازمة الموت المفاجئ للأطفال الرضع السبب الأول للوفاة في الدول المتقدمة، إذ إنه مسؤول عن وفاة نحو واحد من بين كل ألف مولود في المتوسط.
كما أكدت الدراسات المتعاقبة في الألفية الجديدة على وجود دور مهم للغاية للبن الأم في تنمية القدرات العقلية ومعدلات الذكاء لدى الأطفال، وأيضا في حياتهم المستقبلية.
* وقاية للطفل والأم
* وتؤكد منظمة الصحة العالمية على فوائد الرضاعة الطبيعية بالنسبة للأم وطفلها، فتشير في تقاريرها السنوية إلى الدراسات العالمية التي أفادت أن لبن الأم يقي الطفل على المدى البعيد من العديد من الأمراض في حياته المستقبلية، إذ تقل معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكولسترول، والسمنة المفرطة، وداء السكري فيمن تغذوا باستخدام الرضاعة الطبيعية لفترة ستة أشهر على الأقل عقب الولادة عن أقرانهم ممن اعتمدوا على البدائل الأخرى.
أما فيما يخص الأم، فإن الرضاعة الطبيعية تسهم في استعادة الجسم لوظائفه وصفاته الحيوية السابقة على حدوث الحمل من انقباض للرحم، وفقدان للوزن الزائد بفعل الحمل، وتسكين طبيعي للآلام الناجمة عن الولادة، إضافة إلى أنه يعتبر أحد موانع الحمل الطبيعية، شريطة أن تكون عملية الإرضاع منتظمة، وإن كان لا يجب الاعتماد عليها كلية لهذا الغرض.
كما تقي الرضاعة الطبيعية الأم من العديد من الأمراض، إذ تقلل من مخاطر الإصابة بأورام الثدي والمبايض وبطانة الرحم، كما أشارت دراسة نشرتها الدورية الأميركية لأمراض النساء والتوليد العام الماضي إلى أن الرضاعة تقي الأم من الإصابة بأمراض القلب والشرايين بنسبة أربعة أضعاف غير المرضعات، في حال استمرارها لمدة عامين.
أبحاث مشابهة، كبحث جامعة مالمو السويدية عام 2008، أفادت بأن الرضاعة الطبيعية تقلل من مخاطر الإصابة بالتهاب المفاصل Rheumatoid arthritis مستقبلا، أيضا بحث جامعة ميتشغين نهاية عام 2007 الذي يشير إلى احتياج الأم المرضعة المصابة بداء السكري لجرعات علاجية أقل من الإنسولين أثناء فترة الإرضاع.
إقتباس :كما تلعب الرضاعة الطبيعية دورا لا يقدر بثمن في تأصيل العلاقة بين الأم ووليدها، ويوازن الحالة النفسية للأم عقب الولادة، كما يسهم في بث العاطفة المستقبلية في قلب المولود جراء شعوره بالحنان والحب.
وقد تواجه الأم في بعض الحالات صعوبة في عملية الإرضاع مثل تشقق الحلمات، مما يحتاج لعلاجات موضعية في صورة كريمات مرطبة أو مضادات حيوية عند الحاجة.
أيضا تعاني بعض السيدات من «انخساف» الحلمات داخل كتلة الثدي وعدم بروزها بالقدر الكافي ليتمكن الرضيع من التقامها، وهي حالة يجب أن يتنبه لها طبيب أمراض النساء مبكرا في أثناء الحمل، لينصحها بالقيام بتمرينات بسيطة لإطالة الحلمة قبل الولادة، أو بعدها إذا لم يلحظ أحد ذلك في وقت مناسب. كما يمثل ضعف إدرار اللبن إحدى المشكلات التي قد تواجه المرأة، ويجب طمأنتها بأن كمية اللبن التي تدر عقب الولادة تكون قليلة جدا، وتزداد مع الوقت، كما أن تناول كميات كبيرة من السوائل يساعد على إدرار اللبن، وكذلك هناك العديد من البدائل الطبيعية التي تساعد على ذلك ومنها الحلبة والجرجير، إلى جانب إمكانية الاستعانة ببعض العقاقير عند الحاجة.
وبدورها تشير الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال إلى أن الدراسات الحديثة بكل ما تملكه من تقنيات وآليات عمل ومختبرات على أعلى مستوى، تؤكد يوما بعد الآخر على أن الإرضاع عن طريق لبن الأم هو الوسيلة المثلى والأفضل على الإطلاق لتغذية الطفل على كل المستويات، وأن المكاسب المترتبة على الرضاعة الطبيعية تتعدى المكاسب الغذائية والصحية والمناعية لتشمل مكتسبات أخرى في إطار النمو السليم، والحياة المستقبلية الصحيحة، والمعايير النفسية المتوازنة، وتوفير الكثير من الأموال المهدرة في التغذية (الاختيارية) البديلة، في الوقت الذي مُنِحْنا فيه أعظم وأثمن هدية يمكن أن نقدمها لأولادنا.
============
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط