2009-06-01, 01:20 PM
استحلال دماء المسلمين گفر وردة وعدوان وفساد في الأرض
استحلال دماء المسلمين گفر وردة وعدوان وفساد في الأرض
مجلة الدعوة - العدد 2121 - 26 ذو القعدة 1428 هـ
متابعة: سليمان الصالح
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء
إن استحلال دماء المسلمين بغير حق كفر وردة عن الإسلام، وإن هذا سلوك الخوارج الذين كفَّروا المسلمين بالذنوب واستحلوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم·· وأكد سماحته في المحاضرة التي ألقاها مؤخراً بجامع الراجحي بالرياض حول حرمة دماء المسلمين أن الأمن في الوطن نعمة عظيمة ينبغي أن يحافظ عليها الجميع وينبغي أن يربأ المسلم بنفسه من الوقوع في دماء المسلمين فقتل الأنفس البريئة واستحلال دماء المسلمين ظلم وعدوان وفساد في الأرض وقتل نفس واحدة ظلماً وعدواناً كقتل أمَّة· وقال سماحته إن الإسلام شنّع على ارتكاب جرائم القتل وجعلها من كبائر الذنوب وقرن الله قتل النفس بغير حق بالشرك بالله الذي هو أعظم الذنوب، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن دم المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة وأن أهل السموات والأرض لو اجتمعوا على قتل مسلم لأكبّهم الله جميعاً على وجوههم في النار··
حرمة دماء المسلمين
يقول سماحة المفتي العام إن الله جلَّ وعلا حرَّم قتل النفس المؤمنة ظلماً وعدواناً وتوعد من يفعل ذلك بالعذاب الشديد والخلود في جهنم، وإن الله غضب ولعن كل من يقتل النفس المؤمنة قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) [النساء: 93]· وقد قرن الله قتل النفس بغير حق بالشرك بالله الذي هو أعظم الذنوب قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا } (70)[الفرقان: 68 - 70]· وقال تعالى {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ } (33) [الإسراء: 33]· وقتل نفس واحدة ظلماً وعدواناً كقتل الأمة كلّها قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ··} [المائدة: 32] لأن من تساهل في دم واحد تساهل في دم الجميع·
ونبينا صلى الله عليه وسلم حذّرنا من هذه الكبيرة العظيمة الشنيعة فأولاً جعلها من كبائر الذنوب فقال: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا ما هي يا رسول الله؟ قال: الإشراك بالله والسحر وقتل النفس التي حرَّم الله إلا بالحق··" وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن الدماء أول ما يقضى فيها بين العباد يوم القيامة فقال: "أول ما يُقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء" ويقول صلى الله عليه وسلم "لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً" فإذا أصاب الدم الحرام تكدرت حياته وتنغصت معيشته وأصبح في هم تضيق به الدنيا مع سعتها·· وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن أهل السموات والأرض لو اجتمعوا على قتل مسلم لأكبّهم الله جميعاً على وجوههم في النار··
قلة إيمان وقسوة قلب
ويبيَّن سماحة المفتي العام أن جريمة القتل تدل على قسوة القلب وقلة الإيمان وعدم المبالاة بعواقب الأمور، فدم المسلم معظم عند الله، نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال: "ما أعظمك وأعظم حرمتك وإن دم المسلم أعظم عند الله من حرمتك" ومن لقى الله سالماً من الدم الحرام لقيه آمناً مطمئناً ومن بُلي به فلا يلومن إلا نفسه·· وقد حذّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من سفك الدم الحرام وقتل النفس بغير الحق، يقول صلى الله عليه وسلم "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه" وبيّن لنا صلى الله عليه وسلم أن كل قتيل يُقتل في الإسلام فإن على أحد ابني آدم كفل من ذلك لأنه أول من سنَّ القتل في الأرض، وقد قصَّ علينا القرآن هذه القصة التي منع الخوف من الله أحد الأخوين قتل أخيه بينما الذي خلا قلبه من الخوف من الله طوَّعت له نفسه قتل أخيه وباء بالإثم والعذاب··
حماية المجتمعات بالقصاص
ويؤكد سماحة المفتي العام أن جريمة القتل والاعتداء على الأنفس لا يحد منها ولا يمنعها إلا إقامة حد القصاص، فالقصاص يحمي المجتمعات ويحمي المسلمين من المجرمين والقتلة ومستحلي الدماء المحرَّمة قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } (45) [المائدة: 45]، بل إن في القصاص حياة للناس والمجتمعات بمعنى أن إقامة القصاص على القتلة يحمي أرواح الناس ويحقن الدماء ويحفظ الأنفس والأموال والأعراض قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179)[البقرة: 179]· وقال صلى الله عليه وسلم "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وإن كان لا يخرج من الملة إلا أن الجرم عظيم والفعل شنيع والعقاب شديد، وقال صلى الله عليه وسلم محذِّراً الأمة "ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً يقتل بعضكم بعضاً" وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن من علامات الساعة كثرة القتل بلا سبب وأنه لا تقوم حتى يكثر الهرج فلا يعلم القاتل فيما قتل ولا المقتول فيما قتل" وهذا من التباس الأمور وعظم الفتن واشتباه الأحوال ولهذا لا يستخف بدماء المسلمين إلا من نزع الإيمان من قلبه لأن هذا منكر عظيم وجريمة شنعاء وإزهاق للنفس وحرمان الإنسان من حياته ومما أراده الله له··
وفي الحديث "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم" ويقول صلى الله عليه وسلم "المسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره ولا يقتله"، "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" ولما قتل أسامة بن زيد رضي الله عنهما رجلاً من المشركين قال: أشهد ألا إله إلا الله وأخبر النبي بذلك فقال لأسامة: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله، قال: إنما قالها خوفاً من السيف، قال: أشققت عن صدره، فما زال يعاتبه حتى تمنى أسامة أنه لم يسلم إلا هذا اليوم" وهذا ما يدل على أن "لا إله إلا الله" والتوحيد تعصم الدم وتجعله محرماً ما لم يكن القتل بسبب شرعي·
الفئة الضالة استحلوا دم المسلمين
إن الأمر عظيم والتهاون فيه أعظم، وقد ضل الخوارج عندما استحلوا دماء المسلمين وأخذوا بطرف من النصوص وكفروا وقتلوا لمجرد المعاصي فإن مذهب الخوارج التكفير لمجرد الذنب فإذا حكموا على مسلم بالكفر استحلوا دمه وماله وقد استحلوا دم الصحابة الأجلاء عثمان وعلي وطلحة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين وما كان ذلك منهم إلا بسبب الجهل وظلمة القلوب والفساد العظيم··
المسلم لا يعين على فساد
وقال سماحة المفتي العام: إن المسلم لا يعين على باطل ولا يعين على فساد، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (2) [المائدة: 2]· فالمعين على القتل والممهد للأمر والمتسبب والممهد كل أولئك شركاء في الإثم وأعوان على الإثم والعدوان··
قاتل نفسه
وكما حرَّم على المسلم قتل غيره حرَّم عليه قتل نفسه، قال تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (29) [النساء: 29] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل نفسه بشيء عذِّب به يوم القيامة··" الحديث· وقال صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بسم فسمه بيده يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتردى بها يوم القيامة في نار جهنم خالداً مخلداً··" الحديث كل هذا حماية للدم وللنفس لنفسه ولغيره، فدم المسلم لا يجوز له أن يسفكه ودم غيره لا يجوز له أن يسفكه·
دماء المعاهدين المستأمنين حرام
وكما حرّم الإسلام دماء المسلمين إلا بحقها حرّم كذلك دماء المعاهدين والمستأمنين وهم من دخلوا البلاد بأمان وعهود ومواثيق لأن ذلك من الالتزام بالعهود الذي يحث عليه الإسلام، قال تعالى في صفات المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (8) [المؤمنون: 8] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في المنافق: "إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر" أما المسلم فلا بد إذا حدث صدق وإذا وعد أوفى وإذا عاهد التزم بالعهود والمواثيق· وحذّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من قتل المعاهد والمستأمن فقال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة··" الحديث، لأن هذا المعاهد وهذا المستأمن له حق حفظ دمه وماله وعرضه ولهذا نجد في القرآن قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ··} [التوبة: 6]· فلا بد من الالتزام بالمواثيق والعهود وعدم الإخلال بشيء منها لأن أهل الإسلام ليسوا على خيانة ولا ظلم ولا عدوان، بل هم أهل صدق ووفاء والتزام وثبات على الأمر لأن دينهم دين الإسلام جاء بكل خير وبكل ما يحقق لهم السعادة في الدنيا والآخرة·
استحلال دماء المسلمين
إن قتل المسلم من كبائر الذنوب ومن استحل ذلك فكفر وارتد عن الإسلام -عياذاً بالله- ولهذا فإن الخوارج لما أزاغ الله قلوبهم واستحلوا دماء المسلمين وجعلوا الكافر والمسلم سواء وطبَّقوا آيات الوعيد في القرآن التي هي في حق المشركين طبَّقوها على المسلمين فمن ارتكب معصية من المسلمين كفَّره الخوارج ثم قتلوه واستحلوا دمه وماله قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (104) [الكهف: 103 - 104]· وعلى كل مسلم أن يربأ بنفسه عن هذا المنحى الخطير وأن يسأل الله العافية وأن يثبته على الحق وأن يجعله يلقي الله سالماً من دماء المسلمين ومن أموالهم ومن أعراضهم ومن لقي الله على هذا الحال فإنه على خير وعافية لأن هذه الدماء متى سُفكت بغير حق عادت على المجتمع بالضرر والفساد والبلاء كما تسمعونه في بعض المناطق الذين أصبح القتل عندهم يومياً وسفك الدماء لا ينقطع نسأل الله العافية فانعكس ذلك على الأمن والاستقرار والحياة والاقتصاد·· إن الدماء إذا سُفكت بغير حق تمحق البركة وتزرع الفتن والفرقة بين الناس وتجعل المجتمعات تعيش في خوف دائم· فمن نعمة الله على المسلمين الأمن في الوطن والاستقرار ورغد العيش فإذا أمن الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم فذلك نعمة كبيرة·
المصدر: مجلة الدعوة - العدد 2121 - 26 ذو القعدة 1428 هـ