2008-06-29, 06:26 PM
د. سعد البريك
إن التحدي في زمن العولمة يكمن في معرفة سبل التعامل معها وفق البدائل التي نصنعها نحن والتي تنبع من ديننا وهويتنا وثقافتنا، ثم طرحها في المجتمع على الرغم من اتجاه دول أوروبا الى الوحدة السياسية المتمثلة بـ(دول الاتحاد الأوروبي)، والى الوحدة الاقتصادية المتمثلة بـ(السوق الاوروبية المشتركة)، والى الوحدة النقدية المتمثلة بـ(اليورو)، والى الوحدة العسكرية المتمثلة بـ(حلف الناتو)، والى الوحدة الجغرافية المتمثلة بـ(الشين غين)، بالرغم من كل ذلك التحالف والتلاحم إلا ان كل دولة من هذه الدول لا زالت تبذل جهوداً كبيرة للحفاظ على هويتها الثقافية التي تميزها عن غيرها، وان كانت تربطها بها التحالفات والمعاهدات التي تحدد المصير في السلم والحرب، وتحاول الوقوف في مواجهة الغزو الثقافي القادم باسم العولمة من دول أخرى في القارة نفسها او من خارجها.
وهذا ما فعلته اليابان حفاظاً على ثقافتها وفكر وسلوكيات أبنائها، وهو أيضا ما فعلته كندا التي ضاقت بالغزو الثقافي الأمريكي. وقامت فرنسا بإصدار تشريع لحماية اللغة الفرنسية وتحريرها من سيطرة المصطلحات والمفاهيم الأجنبية.
واذا كان ذلك التخوف وتلك الاجراءات تتخذ من جانب دول تتمتع بقوة اقتصادية واعلامية في مواجهة غزو ثقافي من دول مثلها مبرراً، فإن حاجتنا الى هذه الحماية وتلك الحيطة أشد، سيما وان التأثير ليس فقط في عقول الأمة بل يشمل شخصيتها واخلاقها ودينها.
فلم يقل أحد من العقلاء أن من لوازم المعاصرة والعولمة ان نكشف ثغورنا وان نفتح عقولنا وأدمغتنا لكل فكر وافد يخالف ديننا وعقيدتنا وخصوصياتنا. كما ان هذا لا يعني التحجر والتقوقع على أنفسنا، فالحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها فهو أحق بها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:”احرص على ما ينفعك”.
ومن هنا وجب التمييز بين ما هو نافع وما هو ضار، ولسنا في حفاظنا على هويتنا وخصوصياتنا بدعاً بين الأمم فالدول الاخرى تحرص ايضا على الحفاظ على هويتها الثقافية.
وهذه ليست دعوة الى مقاطعة العولمة تماماً، فهذا غير ممكن واقعاً، لأن العولمة تيار عام، والعالم اصبح قرية صغيرة، والتقوقع والاختفاء في زاوية من زوايا الارض والاستغناء عن الجميع أمر فيه صعوبة، بل هو مستحيل في الواقع الحالي لاسباب كثيرة، منها:ان العولمة صارت تدخل على الناس عبر قنوات مفتوحة وكثيرة ويصعب التحكم بها. ومنها:ان طبيعة النظام العالمي اليوم يقوم على التبادل والتعامل المشترك، ويستحيل على أي طرف أن يحبس نفسه داخل أسوار العزلة. ومنها:أن مجتمعاتنا لا تزال في أوائل مراحل البناء وهي بحاجة إلى رؤوس الأموال والأجهزة والخبرات المدربة.
إنما هي دعوة إلى الانتقاء وحسن الاختيار وقطف الإزهار واجتناب الأشواك، بالاستفادة من الايجابيات ونبذ السلبيات، لكن سياسة الانتقاء هذه يفشل فيها أصحاب الغربال الواسع لأنها تحتاج إلى صدق في الانتماء وحرص على ثقافة الأمة مع ذكاء وفطنة وبُبعد نظر.
إن التحدي في زمن العولمة يكمن في معرفة سبل التعامل معها وفق البدائل التي نصنعها نحن والتي تنبع من ديننا وهويتنا وثقافتنا، ثم طرحها في المجتمع، وهذا يحتاج منا إلى تعبئة حضارية شاملة، وبذل محاولات تلو المحاولات بجد وإخلاص لإعداد أنفسنا، فلا بد للأمة أن تسعى ليكون لها موقع قدم في العالم الجديد، وان تؤثر كما تتأثر وان تعطي كما تأخذ، وان ذلك لممكن جداً، وقد أثبتت الأحداث أن شعوب العالم تستطيع أن تنصت لنا عندما نقول مفيداً، ومعلوم أن في ديننا وثقافتنا وحضارتنا الكثير والكثير مما هو مفيد، وإذا تنافست بعض الدول في فنون الأزياء وأفلام الخلاعة والمجون، فإننا نحمل ديناً ننافس فيه العالم اجمع في ميادين الفضائل ومكارم الأخلاق، وأكرم بها من منافسة.
جريدة المدينة ، الخميس, 19 يونيو 2008
إن التحدي في زمن العولمة يكمن في معرفة سبل التعامل معها وفق البدائل التي نصنعها نحن والتي تنبع من ديننا وهويتنا وثقافتنا، ثم طرحها في المجتمع على الرغم من اتجاه دول أوروبا الى الوحدة السياسية المتمثلة بـ(دول الاتحاد الأوروبي)، والى الوحدة الاقتصادية المتمثلة بـ(السوق الاوروبية المشتركة)، والى الوحدة النقدية المتمثلة بـ(اليورو)، والى الوحدة العسكرية المتمثلة بـ(حلف الناتو)، والى الوحدة الجغرافية المتمثلة بـ(الشين غين)، بالرغم من كل ذلك التحالف والتلاحم إلا ان كل دولة من هذه الدول لا زالت تبذل جهوداً كبيرة للحفاظ على هويتها الثقافية التي تميزها عن غيرها، وان كانت تربطها بها التحالفات والمعاهدات التي تحدد المصير في السلم والحرب، وتحاول الوقوف في مواجهة الغزو الثقافي القادم باسم العولمة من دول أخرى في القارة نفسها او من خارجها.
وهذا ما فعلته اليابان حفاظاً على ثقافتها وفكر وسلوكيات أبنائها، وهو أيضا ما فعلته كندا التي ضاقت بالغزو الثقافي الأمريكي. وقامت فرنسا بإصدار تشريع لحماية اللغة الفرنسية وتحريرها من سيطرة المصطلحات والمفاهيم الأجنبية.
واذا كان ذلك التخوف وتلك الاجراءات تتخذ من جانب دول تتمتع بقوة اقتصادية واعلامية في مواجهة غزو ثقافي من دول مثلها مبرراً، فإن حاجتنا الى هذه الحماية وتلك الحيطة أشد، سيما وان التأثير ليس فقط في عقول الأمة بل يشمل شخصيتها واخلاقها ودينها.
فلم يقل أحد من العقلاء أن من لوازم المعاصرة والعولمة ان نكشف ثغورنا وان نفتح عقولنا وأدمغتنا لكل فكر وافد يخالف ديننا وعقيدتنا وخصوصياتنا. كما ان هذا لا يعني التحجر والتقوقع على أنفسنا، فالحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها فهو أحق بها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:”احرص على ما ينفعك”.
ومن هنا وجب التمييز بين ما هو نافع وما هو ضار، ولسنا في حفاظنا على هويتنا وخصوصياتنا بدعاً بين الأمم فالدول الاخرى تحرص ايضا على الحفاظ على هويتها الثقافية.
وهذه ليست دعوة الى مقاطعة العولمة تماماً، فهذا غير ممكن واقعاً، لأن العولمة تيار عام، والعالم اصبح قرية صغيرة، والتقوقع والاختفاء في زاوية من زوايا الارض والاستغناء عن الجميع أمر فيه صعوبة، بل هو مستحيل في الواقع الحالي لاسباب كثيرة، منها:ان العولمة صارت تدخل على الناس عبر قنوات مفتوحة وكثيرة ويصعب التحكم بها. ومنها:ان طبيعة النظام العالمي اليوم يقوم على التبادل والتعامل المشترك، ويستحيل على أي طرف أن يحبس نفسه داخل أسوار العزلة. ومنها:أن مجتمعاتنا لا تزال في أوائل مراحل البناء وهي بحاجة إلى رؤوس الأموال والأجهزة والخبرات المدربة.
إنما هي دعوة إلى الانتقاء وحسن الاختيار وقطف الإزهار واجتناب الأشواك، بالاستفادة من الايجابيات ونبذ السلبيات، لكن سياسة الانتقاء هذه يفشل فيها أصحاب الغربال الواسع لأنها تحتاج إلى صدق في الانتماء وحرص على ثقافة الأمة مع ذكاء وفطنة وبُبعد نظر.
إن التحدي في زمن العولمة يكمن في معرفة سبل التعامل معها وفق البدائل التي نصنعها نحن والتي تنبع من ديننا وهويتنا وثقافتنا، ثم طرحها في المجتمع، وهذا يحتاج منا إلى تعبئة حضارية شاملة، وبذل محاولات تلو المحاولات بجد وإخلاص لإعداد أنفسنا، فلا بد للأمة أن تسعى ليكون لها موقع قدم في العالم الجديد، وان تؤثر كما تتأثر وان تعطي كما تأخذ، وان ذلك لممكن جداً، وقد أثبتت الأحداث أن شعوب العالم تستطيع أن تنصت لنا عندما نقول مفيداً، ومعلوم أن في ديننا وثقافتنا وحضارتنا الكثير والكثير مما هو مفيد، وإذا تنافست بعض الدول في فنون الأزياء وأفلام الخلاعة والمجون، فإننا نحمل ديناً ننافس فيه العالم اجمع في ميادين الفضائل ومكارم الأخلاق، وأكرم بها من منافسة.
جريدة المدينة ، الخميس, 19 يونيو 2008