2008-01-29, 02:13 PM
الرد على سؤال من خلق الله : تعالى الله عما يصفون
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته.
وسبب النهي واضح. فيحسب المتعجّل ،كما حسبت النصارى أن هناك سؤالاً حقيقياً هو: (من خلق الله؟)
ولكن السؤال بصورته الحقّة سيكون كالتالي: من خلق (الذي لا يُعرف ولا يُدرك ماهو) ؟
فالسؤال خاوٍ لا معنى له،لأن الله (لا يُدرك ماهو).
فالحذر الحذر من الخوض في وصف ماهو الله :
وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ {18} الأنبياء
فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {74} النحل
هذا هو النور المبين:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {11} الشورى.
لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ {103} الأنعام
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ {2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ {4} الإخلاص
الله هو ذلك (الحقّ المبين) الواحد الأحد الذي خلق كل شيء__________________________________________________ _
هذا مقال الدكتور عبدالكريم بكار بعنوان مهمات شيطانيةيقول فيه:
حين يحاول الشيطان إغراء الإنسان بالوقوع في معصية أو في شيء يخالف قناعاته، فإنه يصطدم بعقيدة ذلك الإنسان ووعيه الذاتي، كما يصطدم برؤاه حول ركائز الممانعة لديه، مما يجعل بالتالي نجاحه أمرًا صعبًا؛ ومن هنا فإن الشيطان يمارس نوعًا من الاستدراج في الوسوسة أو نوعًا من التحايل على الوعي من أجل تجاوز لاءاته وحساسياته، وكثيرًا ما يكون ذلك عبر تمرير الفكرة بالتقسيط. وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الشيطان يأتي أحدكم، فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله. فيقول من خلق الأرض؟ فيقول: الله. فيقول: من خلق الله؟. فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسله، فإن ذلك يذهب عنه»( أخرجه أحمد وغيره.). إن من الصعب على الشيطان أن يفاجئ المؤمن الراسخ الإيمان بسؤال من نوع: (من خلق الله؟) ولهذا فإنه يحاول أولاً زج من يوسوس له في سياق عام قائم على التساؤل وعدم اليقين. وورد في بعض الآثار ما يدل على أن الناس أنفسهم يقدمون المساعدة للشيطان في القيام بمهامه من خلال استخدام بعض الألفاظ أو من خلال الإغراق في الأسى والأسف على بعض ما جرى، على نحو ما نجده في قوله صلى الله عليه وسلم: «… احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل فإن (لو) تفتح عمل الشيطان»( أخرجه مسلم.). إن النبي صلى الله عليه وسلم يوجه المسلمين هنا إلى طيّ ملفات الماضي بعد أخذ العبرة منها، لأن تحديث النفس بالنتائج التي يمكن أن تترتب على بعض التصرفات سيعني الأسف على شيء لا يمكن استدراكه، كما سيعني إفساح المجال للشيطان كي يُضعف إيمان المسلم بنفاذ ما قدره الله وأراد ولهذا جاء إرشاد من وقع في خطأ، أو أصيب بمصيبة أن يقول: «قدر الله، وما شاء فعل». إذًا حتى لا نفتح الباب أمام وساوس الشيطان فإن علينا أن نقف الموقف القائم على الجزم واليقين والتسليم، وإلا نكون كمن يفتح أبواب القلعة الحصينة من الداخل ليدخل منها العدو.ولكن ماذا لو سألك من غير المسلمين عن هذا السؤال؟
كان هذا سؤال اخ مسلم
السؤال: السلام عليكم، هناك الكثير من اليساريِّين الشيوعيِّين الذين يفكِّرون بطريقةٍ مادِّيةٍ يسألونني: من هو الله؟ ومن أين أتى؟ أنا دائماً أقول لهم أنَّ عقولنا لا تستطيع أن تدرك ذلك، نحن نعرف الله عبر مخلوقاته.
ولكنَّني أريد إجابةً أكثر تفصيلا
الاجابة كانت الاستاذ محمد حسين من موقع اسلام اون لاين
يقول فيه
الأخ السائل: سؤالك ينطوي على عدَّة نقاط:
على إثبات وجود الصانع (الله سبحانه وتعالى) أوَّلا، ثمَّ على صفاته التي يتَّصف بها ثانيا، ثم يتعرَّض لشبهة مناقشة الأوَّليَّة، أي من أين أتى الله سبحانه وتعالى.
ولنناقش هذه النقاط الثلاث بهدوءٍ ورَوِيَّة:
أمَّا عن وجود الصانع سبحانه وتعالى، فإنَّ الأدلَّة -يا أخي- على وجوده أكثر من حبَّات الرمل، بل من علمائنا من يرى أنَّه لا يحتاج إلى دليل، بل هو سبحانه وتعالى أظهر من أن يُستدَلَّ على وجوده؛ إذ كيف يُستدَلُّ على وجوده وهو الذي أوجد كلَّ شيء؟
ومع ذلك فتَعالَ نناقش هذه المسألة:
أوَّلا: وجوده سبحانه مركوزٌ في الفطرة، أي في الطبيعة البشريَّة، ألا ترى أنَّ الإنسان منذ وُجِد في كلِّ عصرٍ وكلِّ مجتمعٍ آمَن بإلهٍ أيًّا كانت صورته أو صفاته؟
لم يوجد مجتمعٌ بلا معابد وعقيدة، ولكن وُجِدت مجتمعاتٌ بلا صنعةٍ أو زراعةٍ أو نظمٍ سياسيَّة (حكومات).
وما أحسب الملاحدة إلا دليلاً على وجود الله، إنَّهم إذ يجادلون في وجوده فإنَّما يُثْبتون هذا الوجود.
ألا ترى أنَّ الإنسان لا يُجهِد نفسه لينفي معدوما؟ إذ المعدوم لا وجود له من الأصل.
وهذا الدليل الفطريُّ يشعر به الإنسان كلَّما شعر بنقص، ورنا ببصره وعقله وفؤاده إلى ذاتٍ كاملة، سواءً كان هذا الكمال في العلم أو في القدرة أو في الإرادة أو في الحياة.
لذلك يقول ديكارت: “إنِّي مع شعوري بنقصٍ في ذاتي، أُحسُّ في الوقت نفسه بوجود ذاتٍ كاملة، وأراني مضطرًّا إلى اعتقادي؛ لأنَّ الشعور قد غَرَسَتْه في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليَّة بجميع صفات الكمال؛ وهي الله”.
إنَّ وجود الله مركوزٌ داخل النفس الإنسانيَّة مهما حاول الإنسان طمسه، ربَّما برز وظهر عندما يستشعر الإنسان ضعفه وحاجته، وما ذلك إلا لأنَّه يحسُّ حينئذٍ أنَّ ضعفه يدلُّ على وجود ذاتٍ قويَّة، وأنَّ حاجته تدلُّ على وجود ذاتٍ مستغنيةٍ ليست بحاجةٍ إلى غيرها.
إنَّ الماديِّين اضطرُّوا لأن يفسِّروا كلَّ شيء على أنَّه مجرَّد ذرَّاتٍ وعلاقاتٍ كيميائيَّةٍ بين هذه الذرَّات وتلك الجزئيَّات، حتى شطح بهم منطقهم، فخرجوا على الأصول المنهجيَّة العلميّة في كثيرٍ من العلوم، لاسيَّما علم النفس.
لكنَّ العجيب أنَّه حتى العلوم الماديَّة ثبت أنَّها لا يمكن تفسيرها في إطارٍ ماديٍّ صرف؛ إذ إنَّ “الماديَّة” تنكر “الغائيَّة”، أي أن يكون هناك هدفٌ في هذا الكون، فالمادَّة لا يمكنها أن تقصد هدفاً أو ترسم خطة، وهذا بالطبع يتنافى والرؤية العلميَّة الحديثة للكون والتي تُثبِت بما يشبه اليقين أنَّ هناك هدفاً لكافَّة الكائنات صغيرةٍ أو كبيرة.
فلم يَعُدْ مقبولاً الآن سوى أنَّ هذا الكون له بداية؛ هي ذلك الانفجار العظيم الذي حدث عندما كانت كافَّة الأجرام في كتلةٍ واحدةٍ متناهية الصغر لا متناهية الكثافة، وحدث انفجارٌ هو بداية الكون، على أثره أخذت المجرَّات والنجوم والكواكب مداراتها.
وهذا الانفجار الذي هو بداية الكون أصبح مسلَّماً به سواءً من الفلكييِّن أو الفيزيائييِّن، بل إنَّ كلاًّ من “أرنو بنزياس Arno Penezias، و”روبرت ويلسون Robert Wilson” اكتشفا بمحض الصدفة سنة 1965م -وباستخدام جهازٍ لالتقاط الموجات الصغرى - إشعاعاً ضعيفاً منبعثاً من الفضاء، وبعد أن قاسا هذا الإشعاع بدقَّةٍ لم يسبق له مثيل، وَجَدَا أنَّه يقترب من 3.5 درجة فوق الصفر المطلق (الصفر المطلق 273 درجةً مئويَّة)، ولم يكن هذا الإشعاع أشدَّ كثافةً في اتِّجاه الشمس أو في اتِّجاه مجرَّة درب التبَّانة، ممَّا يفيد –وبوضوح- أنَّ مصدره لا يمكن أن يكون المجرَّة أو المجموعة الشمسيَّة، ولم يبقَ إلا تفسيرٌ علميٌّ واحد؛ وهو أنَّ هذا الإشعاع بقيَّةٌ من الإشعاع الأصليّ، ذلك الناتج من الانفجار العظيم، هناك لحظة بداية –إذن- للكون، ما عاد في ذلك من شكٍّ لدى الفلكيِّين أو الفيزيائيِّين أو علماء الديناميكا الحراريَّة.
فهل يمكن افتراض أنَّ هذا الانفجار العظيم حدث بمحض الصدفة، ثم هَبْهُ حدث كذلك، فماذا يُخلِّف؟
إنَّ انفجاراً بهذا الحجم لا يمكن أن يخلِّف وراءه سوى دماراً رهيباً في هذا الكون، وتبعثراً للمادَّة في كلِّ مكانٍ على غير نظام.
ولكنَّ هذا الانفجار بهذا الحجم أدَّى إلى إبداع نظامٍ كونيٍّ له تصميمٌ دقيقٌ محكم الأبعاد والعلاقات والتفاعلات، منضبط الكتل والأحجام والمسافات، منتظم الحركة والجري والتداخلات، مبنيٌّ على الوتيرة نفسها من أدقِّ دقائقه إلى أكبر وحداته، على الرغم من تعاظم أبعاده، وكثرة أجرامه، وتعقيد علاقاته.
النظرة العلميَّة الجديدة -إذن- ترى أنَّ الكون بمجموعه -بما في ذلك المادَّة والطاقة والمكان والزمان- حدث في وقتٍ واحد، وكانت له بدايةٌ محدَّدة.
تُرَى.. من صاحب هذه البداية؟ من الذي أصدر قرار هذا الانفجار الرهيب؟!
إنَّ القول بالمصادفة هنا لا يمكن أن يتَّسم بشيءٍ من العلميَّة، ففي أيِّ شيءٍ يمكن افتراض المصادفة في ذلك التجمُّع الرهيب من الطاقة والمادَّة في كتلةٍ متناهيةٍ في الصغر لا متناهيةٍ في الكثافة؟
أم فيما تلا ذلك الانفجار من إحكامٍ لا مثيل له لهذه الأجرام التي لا يستطيع بشرٌ إحصاء عددها؟!
أم في ذلك النظام العجيب الذي انتظمت به هذه المجرَّات والنجوم والكواكب دون أدنى خللٍ يُذكَر؟!
من الناحية الرياضيَّة قدَّر “لابلاس” احتمال المصادفة في خلق الكون بنسبة واحد إلى أربعة تريليونات، وهو لاشكَّ احتمالٌ يؤول إلى الصفر.
ونحسب أنَّ “لابلاس” لم يكن قد أدرك معطيات علوم الفلك والفيزياء في نظريَّاتها الحديثة، وإلا لأصبح هذا الاحتمال صفرا.
وحتى ندرك استبعاد هذا الاحتمال تماما، لنذكر أنَّ احتمال أن يأخذ إنسانٌ كرةً من عشر كراتٍ مكتوبٍ عليها الأعداد من 1 إلى عشرة.
احتمال أن يأخذ الكرة المكتوب عليها 1 هو 1: 10، فإذا وضعها ثانيةً فإن احتمال أن يأخذ بعدها الكرة المكتوب عليها اثنان -أي أن تخرج الكرتان 1، ثم 2 متتاليتين- هو 10 × 10، ثمَّ احتمال سحب الكرات 1، 2، 3 متتابعةً 1: 1000، وهكذا حتى يصبح احتمال سحب الكرات العشرة متتابعةً 1: عشرة ملايين، هذا احتمال سحب عشر كراتٍ متتابعة، فما هو احتمال انتظام هذا الكون بالمصادفة؟ وهو الكون اللامتناهي والآخذ في الاتِّساع منذ خُلِق بدقَّته العجيبة وتوازنه الفريد!!
مسألة حدوث بداية الكون ثم انتظامه إذن بالمصادفة مستبعدةٌ عقلاً ومنطقا، ذلكم أنَّ الأمر كما يقول الفيزيائي “إدموند ويتيكر edmund Whittaker“:
“ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أنَّ المادَّة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم، وأنَّه حدث بينهما تفاعلٌ فجائيّ، فما الذي يميِّز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزليَّة؟ والأبسط أن نفترض خَلْقاً من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهيَّة للكون من العدم”.
كما يقول الفيزيائي “إدوارد مَيْلِن Edward Milne“: “أمَّا العلَّة الأولى للكون في سباق التمدُّد فأمر إضافتها متروكٌ للقارئ، ولكنَّ الصورة التي لدينا لا تكتمل من غير الله”.
إنَّه إذا كان الكون بمادَّته وطاقته وزمانه ومكانه حدث في وقتٍ واحد، وكانت له بدايةً محدَّدة، فلابدَّ أنَّ موجوداً على الدوام كان سابقاً لوجود هذا الكون، وهو الذي أوجده؛ لأنَّه ببساطةٍ شديدةٍ إذا لم يوجد أيُّ شيءٍ قبل ذلك، فلا شيء يمكن أن يوجد الآن، لماذا؟
لأنَّ العدم لا يخلق وجودا، العدم لا يَنتُج عنه إلا العدم، وما دام للكون بداية، فلا مفرَّ من القول بوجود موجودٍ سابقٍ على وجود هذا الكون وبدايته، وأنَّه كان موجوداً على الدوام، أي ليس له بداية، ولابدَّ أنَّه غير ماديٍّ لأنَّه موجودٌ دائما، والمادَّة لها بداية، وهي بالحتم لها نهاية”.
ثمَّ إنَّ إنكار وجود خالقٍ وصانعٍ استلزم -كما أسلفنا- ممَّن يزعمونه تفسير كلِّ شيءٍ تفسيراً ماديّا، الأمر الذي استلزم بالطبع إنكار العواطف والأحاسيس الوجدانيَّة من حبٍّ وبغضٍ وتذوقٍ جماليٍّ لشيءٍ دون آخر، أو اضطرَّ هؤلاء إلى تفسير ذلك تفسيراً ماديّا.
إنَّه من الناحية الماديَّة لا فرق بين إنسانٍ وآخر، رجلاً كان أو امرأة، فما الذي يجعل الإنسان يحبُّ مثلاً امرأةً بعينها دون أخرى؟ إنَّ القول بأنَّها مجرَّد مشاعر جنسيَّةٍ مردود؛ لأنَّ هذا يستوي إزاءه كافَّة النساء، لكن المُشاهَد في حياة البشر أنَّ الإنسان يميل دون سببٍ يُذكَر لإنسانٍ دون آخر، بل ما الذي يفسر علاقة الأبوَّة مثلا؟ إنَّ الإنسان -كلَّ إنسان- يشعر أنَّ حبَّه لابنه أو ابنته يختلف عن حبِّه لأيِّ طفلٍ آخر، مع أنَّ الطفل الآخر قد يكون أكثر جمالاً وذكاءً من ابنه، فما الذي يفسِّر هذه العلاقة؟ أتراه هذه النطفة التي نزلت من الرجل، فكم نُطَفٍ قد تنزل منه يقظاناً أو نائما؟ وهل هذه النطفة تحمل معها علاقات حبٍّ واتصالاً عاطفيًّا ووجدانيًّا لا سبباً ماديًّا له؟
بل إنَّ العقل نفسه مفهومٌ غير ماديّ، ولا يمكن إدراكه بإحدى الحواس الخمس مع تسليمنا جميعاً بوجوده وكونه وراء كلِّ ما يتَّخذه الإنسان من قراراتٍ في حياته تنفِّذها جوارحه.
والقول بأنَّ الأفكار عبارةٌ عن تغيُّراتٍ جزيئيَّةٍ -كما كان يقول عالم الأحياء هكسلي (وهو من علماء القرن التاسع عشر)-، هذا القول أصبح متخلِّفا، وأثبت الفسيولوجيُّ بعطاءاته واكتشافاته المبهرة في القرن العشرين كون هذه النظرة غير علميَّةٍ بالمرَّة، وأنَّ النشاط الفسيولوجيَّ والكيميائيَّ للدماغ أمرٌ ضروريٌّ للإحساس، ولكنَّه ليس هو الإحساس بعينه.
وبعد تجارب عديدةٍ على مناطق الإحساس بالمخِّ انتهى “بنفيلد” إلى أنَّه: “ليس في قشرة الدماغ أيَّ مكانٍ يستطيع التنبيه الكهربائيُّ فيه أن يجعل المريض يعتقد ويقرِّر شيئاً ما، إنَّه يمكن بهذا التنبيه مثلاً على مراكز التذكُّر أن يتذكَّر الإنسان أموراً حدثت في الماضي، ولكن لا يمكن أن يتعلَّم الإنسان القياس المنطقيَّ أو حلَّ مسائل في الرياضيات”.
ومن المفارقات أنَّ “بنفيلد” كان قد بدأ أبحاثه بغية إثبات أنَّ التفكير يمكن تفسيره كحركة جزئيَّات، وأنَّ مركزه الدماغ، لكنَّه انتهى بقوله: “طوال حياتي العلميَّة سعيت جاهداً كغيري من العلماء إلى إثبات أنَّ الدماغ يفسِّر العقل”، وأضاف: “يبدو من المؤكَّد أنَّ تفسير العقل على أساس النشاط العصبيِّ داخل الدماغ سيظل أمراً مستحيلاً كلَّ الاستحالة”، وأنَّه “أقرب إلى المنطق أن نقول أنَّ العقل ربَّما كان جوهراً متميِّزاً ومختلفاً عن الجسم”.
بل الأعجب من ذلك قوله: “يا له من أمرٍ مثيرٍ أن تكتشف أنَّ العالم يستطيع بدوره أن يؤمن عن حقٍّ بوجود الروح”. (penfield, the mystery of the mind p.80,85).
بل إنَّ وجود الله سبحانه ضرورةٌ أخلاقيَّة؛ إذ القول بعكس ذلك ينتهي بنا حتماً لفلسفةٍ عدميَّةٍ لا تعترف بقانونٍ أخلاقيّ، ذلكم أنَّ ما يحدث في عالم الإنسان من مظالم لو لم يكن هناك إلهٌ يحاكَم الناس أمامه لتعتدل الموازين ويُقتَصُّ من المظالم، لأصبحت الحياة عبثا، ولأصبح القانون الواجب الاتِّباع أنَّ القوي ينبغي أن يسود ويَقْهَر، وأنَّه لا معنى لأيِّ معنىً أخلاقيٍّ أو قِيَميّ، أو كما يقول الشاعر الجاهليّ: “ومن لا يَظْلِمِ الناسَ يُظْلَمِ”.
وهذا بالطبع ما انتهى إليه فلاسفة الإلحاد في الغرب، سيَّما “نيتشه”.
ولا أحبُّ -أخي السائل- أن أطيل أكثر من ذلك في هذه المسألة، ولكن، ألا ترى معي أنَّ وجود الله سبحانه ضرورةٌ عقليَّةٌ وفطريَّةٌ ومنطقيَّةٌ ووجدانيَّةٌ وأخلاقيَّة.
إذا انتقلنا إلى النقطتين التاليتين وهي: الكلام عن صفات الخالق والصانع، والموجود الأوَّل “أو واجب الوجود بتعبير الفلاسفة”، فإنَّنا ننتهي حتماً دون كثير جهدٍ إلى أنَّه ليس مادَّة؛ إذ هو سبحانه الذي خلق المادَّة والطاقة كليهما –كما أشرنا من قبل ذلك، ولو كان –حاشاه– مادَّةً لما وجد ما يميِّزه عن مادَّةٍ أخرى؛ إذ ما الذي يجعل هذه المادَّة خالقاً وغيرها من الموادِّ مخلوقا.
كما أنَّ صفاته معلومةٌ منظورة، تجدها في الرحمة، وفي الرزق، وفي الإنعام، وفي التفضُّل، وفي كلِّ شيء، فكلُّ أمرٍ في الدنيا يدلُّ عليه سبحانه، ويمكنك قراء تفصيل ذلك، في استشارةٍ سابقةٍ عنوانها:
الملحدون.. “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”
وإذا كنَّا انتهينا قبل ذلك إلى أنَّ العدم لا يُنتِج سوى العدم، فلابدَّ إذن من أمرين لا مفرَّ منهما:
الأوَّل: أنَّه كان موجوداً قبل أن يخلق هذه المادَّة وتلك الطاقة.
الثاني: أنَّه ليس أيًّا من هذين الشيئين -أعني المادَّة والطاقة-، فلابدَّ -إذن- من كونه متعالياً عن الخلق، متَّصفاً بالحكمة والإرادة والتدبير، وكلِّ صفات الجلال والكمال.
ولابدَّ من كونه كان موجوداً ولا يزال قبل الوجود وبعده، وهذه النقطة –أخي- أعني: “مَنْ الذي أوجد الله؟” لا يرتاب فيها إلا قليلو العلم؛ لأنَّ وجود موجودٍ أوَّل لا مفرَّ منه، ما دمنا سلَّمنا بوجود صانع؛ إذ لو أنَّ له مُوجِدٌ وخالق، فمن الذي أوجد ذلك الموجد، وهكذا… ننتهي إلى تسلسلٍ لا نهاية له، وهو مرفوض عقلاً ومنطقا، أو كما يعبِّر علماؤنا “والتسلسل باطل”.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته.
وسبب النهي واضح. فيحسب المتعجّل ،كما حسبت النصارى أن هناك سؤالاً حقيقياً هو: (من خلق الله؟)
ولكن السؤال بصورته الحقّة سيكون كالتالي: من خلق (الذي لا يُعرف ولا يُدرك ماهو) ؟
فالسؤال خاوٍ لا معنى له،لأن الله (لا يُدرك ماهو).
فالحذر الحذر من الخوض في وصف ماهو الله :
وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ {18} الأنبياء
فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {74} النحل
هذا هو النور المبين:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {11} الشورى.
لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ {103} الأنعام
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ {2} لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ {4} الإخلاص
الله هو ذلك (الحقّ المبين) الواحد الأحد الذي خلق كل شيء__________________________________________________ _
هذا مقال الدكتور عبدالكريم بكار بعنوان مهمات شيطانيةيقول فيه:
حين يحاول الشيطان إغراء الإنسان بالوقوع في معصية أو في شيء يخالف قناعاته، فإنه يصطدم بعقيدة ذلك الإنسان ووعيه الذاتي، كما يصطدم برؤاه حول ركائز الممانعة لديه، مما يجعل بالتالي نجاحه أمرًا صعبًا؛ ومن هنا فإن الشيطان يمارس نوعًا من الاستدراج في الوسوسة أو نوعًا من التحايل على الوعي من أجل تجاوز لاءاته وحساسياته، وكثيرًا ما يكون ذلك عبر تمرير الفكرة بالتقسيط. وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الشيطان يأتي أحدكم، فيقول: من خلق السماء؟ فيقول: الله. فيقول من خلق الأرض؟ فيقول: الله. فيقول: من خلق الله؟. فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل: آمنت بالله ورسله، فإن ذلك يذهب عنه»( أخرجه أحمد وغيره.). إن من الصعب على الشيطان أن يفاجئ المؤمن الراسخ الإيمان بسؤال من نوع: (من خلق الله؟) ولهذا فإنه يحاول أولاً زج من يوسوس له في سياق عام قائم على التساؤل وعدم اليقين. وورد في بعض الآثار ما يدل على أن الناس أنفسهم يقدمون المساعدة للشيطان في القيام بمهامه من خلال استخدام بعض الألفاظ أو من خلال الإغراق في الأسى والأسف على بعض ما جرى، على نحو ما نجده في قوله صلى الله عليه وسلم: «… احرص على ما ينفعك واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل فإن (لو) تفتح عمل الشيطان»( أخرجه مسلم.). إن النبي صلى الله عليه وسلم يوجه المسلمين هنا إلى طيّ ملفات الماضي بعد أخذ العبرة منها، لأن تحديث النفس بالنتائج التي يمكن أن تترتب على بعض التصرفات سيعني الأسف على شيء لا يمكن استدراكه، كما سيعني إفساح المجال للشيطان كي يُضعف إيمان المسلم بنفاذ ما قدره الله وأراد ولهذا جاء إرشاد من وقع في خطأ، أو أصيب بمصيبة أن يقول: «قدر الله، وما شاء فعل». إذًا حتى لا نفتح الباب أمام وساوس الشيطان فإن علينا أن نقف الموقف القائم على الجزم واليقين والتسليم، وإلا نكون كمن يفتح أبواب القلعة الحصينة من الداخل ليدخل منها العدو.ولكن ماذا لو سألك من غير المسلمين عن هذا السؤال؟
كان هذا سؤال اخ مسلم
السؤال: السلام عليكم، هناك الكثير من اليساريِّين الشيوعيِّين الذين يفكِّرون بطريقةٍ مادِّيةٍ يسألونني: من هو الله؟ ومن أين أتى؟ أنا دائماً أقول لهم أنَّ عقولنا لا تستطيع أن تدرك ذلك، نحن نعرف الله عبر مخلوقاته.
ولكنَّني أريد إجابةً أكثر تفصيلا
الاجابة كانت الاستاذ محمد حسين من موقع اسلام اون لاين
يقول فيه
الأخ السائل: سؤالك ينطوي على عدَّة نقاط:
على إثبات وجود الصانع (الله سبحانه وتعالى) أوَّلا، ثمَّ على صفاته التي يتَّصف بها ثانيا، ثم يتعرَّض لشبهة مناقشة الأوَّليَّة، أي من أين أتى الله سبحانه وتعالى.
ولنناقش هذه النقاط الثلاث بهدوءٍ ورَوِيَّة:
أمَّا عن وجود الصانع سبحانه وتعالى، فإنَّ الأدلَّة -يا أخي- على وجوده أكثر من حبَّات الرمل، بل من علمائنا من يرى أنَّه لا يحتاج إلى دليل، بل هو سبحانه وتعالى أظهر من أن يُستدَلَّ على وجوده؛ إذ كيف يُستدَلُّ على وجوده وهو الذي أوجد كلَّ شيء؟
ومع ذلك فتَعالَ نناقش هذه المسألة:
أوَّلا: وجوده سبحانه مركوزٌ في الفطرة، أي في الطبيعة البشريَّة، ألا ترى أنَّ الإنسان منذ وُجِد في كلِّ عصرٍ وكلِّ مجتمعٍ آمَن بإلهٍ أيًّا كانت صورته أو صفاته؟
لم يوجد مجتمعٌ بلا معابد وعقيدة، ولكن وُجِدت مجتمعاتٌ بلا صنعةٍ أو زراعةٍ أو نظمٍ سياسيَّة (حكومات).
وما أحسب الملاحدة إلا دليلاً على وجود الله، إنَّهم إذ يجادلون في وجوده فإنَّما يُثْبتون هذا الوجود.
ألا ترى أنَّ الإنسان لا يُجهِد نفسه لينفي معدوما؟ إذ المعدوم لا وجود له من الأصل.
وهذا الدليل الفطريُّ يشعر به الإنسان كلَّما شعر بنقص، ورنا ببصره وعقله وفؤاده إلى ذاتٍ كاملة، سواءً كان هذا الكمال في العلم أو في القدرة أو في الإرادة أو في الحياة.
لذلك يقول ديكارت: “إنِّي مع شعوري بنقصٍ في ذاتي، أُحسُّ في الوقت نفسه بوجود ذاتٍ كاملة، وأراني مضطرًّا إلى اعتقادي؛ لأنَّ الشعور قد غَرَسَتْه في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليَّة بجميع صفات الكمال؛ وهي الله”.
إنَّ وجود الله مركوزٌ داخل النفس الإنسانيَّة مهما حاول الإنسان طمسه، ربَّما برز وظهر عندما يستشعر الإنسان ضعفه وحاجته، وما ذلك إلا لأنَّه يحسُّ حينئذٍ أنَّ ضعفه يدلُّ على وجود ذاتٍ قويَّة، وأنَّ حاجته تدلُّ على وجود ذاتٍ مستغنيةٍ ليست بحاجةٍ إلى غيرها.
إنَّ الماديِّين اضطرُّوا لأن يفسِّروا كلَّ شيء على أنَّه مجرَّد ذرَّاتٍ وعلاقاتٍ كيميائيَّةٍ بين هذه الذرَّات وتلك الجزئيَّات، حتى شطح بهم منطقهم، فخرجوا على الأصول المنهجيَّة العلميّة في كثيرٍ من العلوم، لاسيَّما علم النفس.
لكنَّ العجيب أنَّه حتى العلوم الماديَّة ثبت أنَّها لا يمكن تفسيرها في إطارٍ ماديٍّ صرف؛ إذ إنَّ “الماديَّة” تنكر “الغائيَّة”، أي أن يكون هناك هدفٌ في هذا الكون، فالمادَّة لا يمكنها أن تقصد هدفاً أو ترسم خطة، وهذا بالطبع يتنافى والرؤية العلميَّة الحديثة للكون والتي تُثبِت بما يشبه اليقين أنَّ هناك هدفاً لكافَّة الكائنات صغيرةٍ أو كبيرة.
فلم يَعُدْ مقبولاً الآن سوى أنَّ هذا الكون له بداية؛ هي ذلك الانفجار العظيم الذي حدث عندما كانت كافَّة الأجرام في كتلةٍ واحدةٍ متناهية الصغر لا متناهية الكثافة، وحدث انفجارٌ هو بداية الكون، على أثره أخذت المجرَّات والنجوم والكواكب مداراتها.
وهذا الانفجار الذي هو بداية الكون أصبح مسلَّماً به سواءً من الفلكييِّن أو الفيزيائييِّن، بل إنَّ كلاًّ من “أرنو بنزياس Arno Penezias، و”روبرت ويلسون Robert Wilson” اكتشفا بمحض الصدفة سنة 1965م -وباستخدام جهازٍ لالتقاط الموجات الصغرى - إشعاعاً ضعيفاً منبعثاً من الفضاء، وبعد أن قاسا هذا الإشعاع بدقَّةٍ لم يسبق له مثيل، وَجَدَا أنَّه يقترب من 3.5 درجة فوق الصفر المطلق (الصفر المطلق 273 درجةً مئويَّة)، ولم يكن هذا الإشعاع أشدَّ كثافةً في اتِّجاه الشمس أو في اتِّجاه مجرَّة درب التبَّانة، ممَّا يفيد –وبوضوح- أنَّ مصدره لا يمكن أن يكون المجرَّة أو المجموعة الشمسيَّة، ولم يبقَ إلا تفسيرٌ علميٌّ واحد؛ وهو أنَّ هذا الإشعاع بقيَّةٌ من الإشعاع الأصليّ، ذلك الناتج من الانفجار العظيم، هناك لحظة بداية –إذن- للكون، ما عاد في ذلك من شكٍّ لدى الفلكيِّين أو الفيزيائيِّين أو علماء الديناميكا الحراريَّة.
فهل يمكن افتراض أنَّ هذا الانفجار العظيم حدث بمحض الصدفة، ثم هَبْهُ حدث كذلك، فماذا يُخلِّف؟
إنَّ انفجاراً بهذا الحجم لا يمكن أن يخلِّف وراءه سوى دماراً رهيباً في هذا الكون، وتبعثراً للمادَّة في كلِّ مكانٍ على غير نظام.
ولكنَّ هذا الانفجار بهذا الحجم أدَّى إلى إبداع نظامٍ كونيٍّ له تصميمٌ دقيقٌ محكم الأبعاد والعلاقات والتفاعلات، منضبط الكتل والأحجام والمسافات، منتظم الحركة والجري والتداخلات، مبنيٌّ على الوتيرة نفسها من أدقِّ دقائقه إلى أكبر وحداته، على الرغم من تعاظم أبعاده، وكثرة أجرامه، وتعقيد علاقاته.
النظرة العلميَّة الجديدة -إذن- ترى أنَّ الكون بمجموعه -بما في ذلك المادَّة والطاقة والمكان والزمان- حدث في وقتٍ واحد، وكانت له بدايةٌ محدَّدة.
تُرَى.. من صاحب هذه البداية؟ من الذي أصدر قرار هذا الانفجار الرهيب؟!
إنَّ القول بالمصادفة هنا لا يمكن أن يتَّسم بشيءٍ من العلميَّة، ففي أيِّ شيءٍ يمكن افتراض المصادفة في ذلك التجمُّع الرهيب من الطاقة والمادَّة في كتلةٍ متناهيةٍ في الصغر لا متناهيةٍ في الكثافة؟
أم فيما تلا ذلك الانفجار من إحكامٍ لا مثيل له لهذه الأجرام التي لا يستطيع بشرٌ إحصاء عددها؟!
أم في ذلك النظام العجيب الذي انتظمت به هذه المجرَّات والنجوم والكواكب دون أدنى خللٍ يُذكَر؟!
من الناحية الرياضيَّة قدَّر “لابلاس” احتمال المصادفة في خلق الكون بنسبة واحد إلى أربعة تريليونات، وهو لاشكَّ احتمالٌ يؤول إلى الصفر.
ونحسب أنَّ “لابلاس” لم يكن قد أدرك معطيات علوم الفلك والفيزياء في نظريَّاتها الحديثة، وإلا لأصبح هذا الاحتمال صفرا.
وحتى ندرك استبعاد هذا الاحتمال تماما، لنذكر أنَّ احتمال أن يأخذ إنسانٌ كرةً من عشر كراتٍ مكتوبٍ عليها الأعداد من 1 إلى عشرة.
احتمال أن يأخذ الكرة المكتوب عليها 1 هو 1: 10، فإذا وضعها ثانيةً فإن احتمال أن يأخذ بعدها الكرة المكتوب عليها اثنان -أي أن تخرج الكرتان 1، ثم 2 متتاليتين- هو 10 × 10، ثمَّ احتمال سحب الكرات 1، 2، 3 متتابعةً 1: 1000، وهكذا حتى يصبح احتمال سحب الكرات العشرة متتابعةً 1: عشرة ملايين، هذا احتمال سحب عشر كراتٍ متتابعة، فما هو احتمال انتظام هذا الكون بالمصادفة؟ وهو الكون اللامتناهي والآخذ في الاتِّساع منذ خُلِق بدقَّته العجيبة وتوازنه الفريد!!
مسألة حدوث بداية الكون ثم انتظامه إذن بالمصادفة مستبعدةٌ عقلاً ومنطقا، ذلكم أنَّ الأمر كما يقول الفيزيائي “إدموند ويتيكر edmund Whittaker“:
“ليس هناك ما يدعو إلى أن نفترض أنَّ المادَّة والطاقة كانتا موجودتين قبل الانفجار العظيم، وأنَّه حدث بينهما تفاعلٌ فجائيّ، فما الذي يميِّز تلك اللحظة عن غيرها من اللحظات في الأزليَّة؟ والأبسط أن نفترض خَلْقاً من العدم، أي إبداع الإرادة الإلهيَّة للكون من العدم”.
كما يقول الفيزيائي “إدوارد مَيْلِن Edward Milne“: “أمَّا العلَّة الأولى للكون في سباق التمدُّد فأمر إضافتها متروكٌ للقارئ، ولكنَّ الصورة التي لدينا لا تكتمل من غير الله”.
إنَّه إذا كان الكون بمادَّته وطاقته وزمانه ومكانه حدث في وقتٍ واحد، وكانت له بدايةً محدَّدة، فلابدَّ أنَّ موجوداً على الدوام كان سابقاً لوجود هذا الكون، وهو الذي أوجده؛ لأنَّه ببساطةٍ شديدةٍ إذا لم يوجد أيُّ شيءٍ قبل ذلك، فلا شيء يمكن أن يوجد الآن، لماذا؟
لأنَّ العدم لا يخلق وجودا، العدم لا يَنتُج عنه إلا العدم، وما دام للكون بداية، فلا مفرَّ من القول بوجود موجودٍ سابقٍ على وجود هذا الكون وبدايته، وأنَّه كان موجوداً على الدوام، أي ليس له بداية، ولابدَّ أنَّه غير ماديٍّ لأنَّه موجودٌ دائما، والمادَّة لها بداية، وهي بالحتم لها نهاية”.
ثمَّ إنَّ إنكار وجود خالقٍ وصانعٍ استلزم -كما أسلفنا- ممَّن يزعمونه تفسير كلِّ شيءٍ تفسيراً ماديّا، الأمر الذي استلزم بالطبع إنكار العواطف والأحاسيس الوجدانيَّة من حبٍّ وبغضٍ وتذوقٍ جماليٍّ لشيءٍ دون آخر، أو اضطرَّ هؤلاء إلى تفسير ذلك تفسيراً ماديّا.
إنَّه من الناحية الماديَّة لا فرق بين إنسانٍ وآخر، رجلاً كان أو امرأة، فما الذي يجعل الإنسان يحبُّ مثلاً امرأةً بعينها دون أخرى؟ إنَّ القول بأنَّها مجرَّد مشاعر جنسيَّةٍ مردود؛ لأنَّ هذا يستوي إزاءه كافَّة النساء، لكن المُشاهَد في حياة البشر أنَّ الإنسان يميل دون سببٍ يُذكَر لإنسانٍ دون آخر، بل ما الذي يفسر علاقة الأبوَّة مثلا؟ إنَّ الإنسان -كلَّ إنسان- يشعر أنَّ حبَّه لابنه أو ابنته يختلف عن حبِّه لأيِّ طفلٍ آخر، مع أنَّ الطفل الآخر قد يكون أكثر جمالاً وذكاءً من ابنه، فما الذي يفسِّر هذه العلاقة؟ أتراه هذه النطفة التي نزلت من الرجل، فكم نُطَفٍ قد تنزل منه يقظاناً أو نائما؟ وهل هذه النطفة تحمل معها علاقات حبٍّ واتصالاً عاطفيًّا ووجدانيًّا لا سبباً ماديًّا له؟
بل إنَّ العقل نفسه مفهومٌ غير ماديّ، ولا يمكن إدراكه بإحدى الحواس الخمس مع تسليمنا جميعاً بوجوده وكونه وراء كلِّ ما يتَّخذه الإنسان من قراراتٍ في حياته تنفِّذها جوارحه.
والقول بأنَّ الأفكار عبارةٌ عن تغيُّراتٍ جزيئيَّةٍ -كما كان يقول عالم الأحياء هكسلي (وهو من علماء القرن التاسع عشر)-، هذا القول أصبح متخلِّفا، وأثبت الفسيولوجيُّ بعطاءاته واكتشافاته المبهرة في القرن العشرين كون هذه النظرة غير علميَّةٍ بالمرَّة، وأنَّ النشاط الفسيولوجيَّ والكيميائيَّ للدماغ أمرٌ ضروريٌّ للإحساس، ولكنَّه ليس هو الإحساس بعينه.
وبعد تجارب عديدةٍ على مناطق الإحساس بالمخِّ انتهى “بنفيلد” إلى أنَّه: “ليس في قشرة الدماغ أيَّ مكانٍ يستطيع التنبيه الكهربائيُّ فيه أن يجعل المريض يعتقد ويقرِّر شيئاً ما، إنَّه يمكن بهذا التنبيه مثلاً على مراكز التذكُّر أن يتذكَّر الإنسان أموراً حدثت في الماضي، ولكن لا يمكن أن يتعلَّم الإنسان القياس المنطقيَّ أو حلَّ مسائل في الرياضيات”.
ومن المفارقات أنَّ “بنفيلد” كان قد بدأ أبحاثه بغية إثبات أنَّ التفكير يمكن تفسيره كحركة جزئيَّات، وأنَّ مركزه الدماغ، لكنَّه انتهى بقوله: “طوال حياتي العلميَّة سعيت جاهداً كغيري من العلماء إلى إثبات أنَّ الدماغ يفسِّر العقل”، وأضاف: “يبدو من المؤكَّد أنَّ تفسير العقل على أساس النشاط العصبيِّ داخل الدماغ سيظل أمراً مستحيلاً كلَّ الاستحالة”، وأنَّه “أقرب إلى المنطق أن نقول أنَّ العقل ربَّما كان جوهراً متميِّزاً ومختلفاً عن الجسم”.
بل الأعجب من ذلك قوله: “يا له من أمرٍ مثيرٍ أن تكتشف أنَّ العالم يستطيع بدوره أن يؤمن عن حقٍّ بوجود الروح”. (penfield, the mystery of the mind p.80,85).
بل إنَّ وجود الله سبحانه ضرورةٌ أخلاقيَّة؛ إذ القول بعكس ذلك ينتهي بنا حتماً لفلسفةٍ عدميَّةٍ لا تعترف بقانونٍ أخلاقيّ، ذلكم أنَّ ما يحدث في عالم الإنسان من مظالم لو لم يكن هناك إلهٌ يحاكَم الناس أمامه لتعتدل الموازين ويُقتَصُّ من المظالم، لأصبحت الحياة عبثا، ولأصبح القانون الواجب الاتِّباع أنَّ القوي ينبغي أن يسود ويَقْهَر، وأنَّه لا معنى لأيِّ معنىً أخلاقيٍّ أو قِيَميّ، أو كما يقول الشاعر الجاهليّ: “ومن لا يَظْلِمِ الناسَ يُظْلَمِ”.
وهذا بالطبع ما انتهى إليه فلاسفة الإلحاد في الغرب، سيَّما “نيتشه”.
ولا أحبُّ -أخي السائل- أن أطيل أكثر من ذلك في هذه المسألة، ولكن، ألا ترى معي أنَّ وجود الله سبحانه ضرورةٌ عقليَّةٌ وفطريَّةٌ ومنطقيَّةٌ ووجدانيَّةٌ وأخلاقيَّة.
إذا انتقلنا إلى النقطتين التاليتين وهي: الكلام عن صفات الخالق والصانع، والموجود الأوَّل “أو واجب الوجود بتعبير الفلاسفة”، فإنَّنا ننتهي حتماً دون كثير جهدٍ إلى أنَّه ليس مادَّة؛ إذ هو سبحانه الذي خلق المادَّة والطاقة كليهما –كما أشرنا من قبل ذلك، ولو كان –حاشاه– مادَّةً لما وجد ما يميِّزه عن مادَّةٍ أخرى؛ إذ ما الذي يجعل هذه المادَّة خالقاً وغيرها من الموادِّ مخلوقا.
كما أنَّ صفاته معلومةٌ منظورة، تجدها في الرحمة، وفي الرزق، وفي الإنعام، وفي التفضُّل، وفي كلِّ شيء، فكلُّ أمرٍ في الدنيا يدلُّ عليه سبحانه، ويمكنك قراء تفصيل ذلك، في استشارةٍ سابقةٍ عنوانها:
الملحدون.. “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”
وإذا كنَّا انتهينا قبل ذلك إلى أنَّ العدم لا يُنتِج سوى العدم، فلابدَّ إذن من أمرين لا مفرَّ منهما:
الأوَّل: أنَّه كان موجوداً قبل أن يخلق هذه المادَّة وتلك الطاقة.
الثاني: أنَّه ليس أيًّا من هذين الشيئين -أعني المادَّة والطاقة-، فلابدَّ -إذن- من كونه متعالياً عن الخلق، متَّصفاً بالحكمة والإرادة والتدبير، وكلِّ صفات الجلال والكمال.
ولابدَّ من كونه كان موجوداً ولا يزال قبل الوجود وبعده، وهذه النقطة –أخي- أعني: “مَنْ الذي أوجد الله؟” لا يرتاب فيها إلا قليلو العلم؛ لأنَّ وجود موجودٍ أوَّل لا مفرَّ منه، ما دمنا سلَّمنا بوجود صانع؛ إذ لو أنَّ له مُوجِدٌ وخالق، فمن الذي أوجد ذلك الموجد، وهكذا… ننتهي إلى تسلسلٍ لا نهاية له، وهو مرفوض عقلاً ومنطقا، أو كما يعبِّر علماؤنا “والتسلسل باطل”.